لا يكاد يخلو سوق قار أو أسبوعي في البلاد التونسية من نقطة بيع للأعشاب الطبية، كما أن هذا القطاع قد بدأ يشق طريقه نحو التصنيع و التصدير نظرا لما يتوفر لبلادنا من غابات و من أراضي و مناخات صالحة للإستثمار في غراسات النباتات الطبية.
وتعتبر سوق البلاط أيوقونة هذا النشاط في
بعده الشعبي و التقليدي في بلادنا إذا يؤمها يوميا الكثيرون للبحث عن الدواء التقليدي
أو ما يصطلح عليه بالدواء العربي، وهو اسم يطلقه التونسيون منذ القدم للدلالة عن التداوي
بالأعشاب الطبيعية التي تحتل مكانة هامة لدى جزء كبير من المجتمع، وإيمانهم بأنها تمنح
الشفاء من أمراض قد يعجز الأطباء عن معالجتها أو حتى في إزالة السحر.
و قد ظل "سوق البلاط" على مدى
قرون متتالية متخصصا في بيع الأعشاب الطبيعية، فالدكاكين الصغيرة هنا ما تزال تشكل
قبلة فريدة للزوار الذين يبحثون عن علاج بديل.
وتنتشر في سوق البلاط الأعشاب الطبية بمختلف
الأشكال والألوان. و على طول الأزقة الضيقة والملتوية التي تشكل شرايين السوق الواقع
في مكان غير بعيد من المدينة العتيقة بالعاصمة، يعلق تجار الأعشاب فوق دكاكينهم الصغيرة
أكواما من مختلف الأعشاب.
ومع ساعات الصباح الأولى، يفتح تجار سوق البلاط
أبواب دكاكينهم المليئة بالأعشاب والعقاقير المستخرجة من أسرار الطب القديم، ثمّ يوزعون
بعضها في صناديق من الورق المقوى وأكياس صنعت من الحِلفاء ليعرضوها أمام محلاتهم على
الزائرين.
و يتوافد يوميا، على تجار الأعشاب الطبية المئات
من الزبائن أغلبهم من النسوة اللواتي يأتين من كل حدب وصوب بحثا عن أعشاب يعرفها التجار
جيدا رغم غرابة أسمائها مثل نبتة "النوخا" لعلاج حصى الكلى و"الخلنج"
لعلاج البروستاتا و"أم الجلاجل" لتنظيف الرحم. ومن
أبرز الأعشاب الأخرى "عود البخري" لمعالجة مرض الصداع النصفي، و"العرعار"
ضدّ الإسهال، و"الحبة السوداء" التي لها منافع عديدة، و"الحلبة"
ضدّ ارتفاع الحرارة و"الزنجبيل" لعلاج الضعف الجنسي.
نموذج صناعة المنتجات العطرية و الطبية
في الجانب الآخر نجد العديد من المستثمرين قد انخرطوا في زراعة النباتات الطبية و في صناعة المنتجات العطرية و الطبية، و يبين الجدول التالي على سبيل المثال عروضا لبيع كميات من هذه المنتجات تم إغدادها سنة 2016:
|
برنامج شمال أفريقــيا للتنوع البيولوجي
يُنفّذ برنامج شمال أفريقــيا للتنوع
البيولوجي (NABP) في
كل من الجزائر، مصر، ليبيا، المغرب وتونس. ويتم تمويله من قبل مديريــــة
التنميـــة والتعاون السويسريــــة (SDC) .
و بالنسبة لتونس فقد تم تحديد عدد كبير من
الأعشاب الطبية المهددة بالإنقراض. و تقع منطقة برنامج العمل في تونس في منطقة ريم
تحديداً، في الجبال المكسوة بالغابات في شمال-غرب تونس، قرب الحدود الجزائرية، لأهميتها
وغناها البيئي عامةً، و الأعشاب الطبية الموجودة فيها خاصةً. كما تم اختيار منطقة عمل
أخرى موجودة في وسط المنطقة الشمالية الغربية من تونس، قرب منتزه صدّين الوطني.
يُعتبر موضوع الأعشاب الطبية في تونس جزء من
برنامج واسع للتنمية الريفية. قام بتنفيذ برنامج شمال إفريقيا للتنوع البيولوجي و الجمعية
التونسية لحماية الطبيعة والبيئة (ATPNE)
التي تُعتبر من أقدم الجمعيات غير الحكومية.
تم تنظيم استبيانات وتحاليل بيبليوغرافية مع
الباعة والمستهلكين والتجممعات الريفية والسكان لتحديد وتعريف الأعشاب الطبية و
ضبط قائمة بهذه النباتات واستعمالها التقليدي، و وضعها وبيئتها. و قد توصل
الإستبيان إلى تحديد 198 صنفاً من الأعشاب الطبية، وأُنْتج 3088 بطاقة وصفية. كما
تبين أن النباتات الأكثر استعمالاً في المنطقة المعنية كانت التالية: إكليل الجبل،
الحلحال، الأفسنتيـن، الشيح ، الزعتر، الشمرة، الأجوقة.
و قد تم شراء بذور بعض النباتات وزرعها في
مشاتل ومن ثم تم توزيعها إلى المستفيدين، للحد من جمع النباتات البرية وإعطاء بديل
للمجتمع. كما تم تحديد الأصناف حسب تصنيفها (نادر أو مهدد بالإنقراض) أو لسهولة تسويقهم
(الحلحال، والمريمية) جرى تدريب المستفيدين على زراعة هذه النباتات وإقامة مشاتل صغيرة،
وعلى طريقة إقتطاع الفِسَخ لتفادي الخسارة، وتقطير وتجفيف النباتات وعلى صناعة الصابون
من الزيوت العطرية لزيادة قيمة منتوجاتهم. تلقّت بعض النساء دورات تدريبية حول التقنيات
الصحيحة لجمع الأعشاب الطبية من الطبيعة. كما تم الترويج للزراعات
المتنوعة ليشمل النباتات العطرية والأعشاب الطبية من أجل تحسين المردود المالي للمجتمع
المحلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق