نبذة تاريخية

تزخر البلاد التونسية بتراث غذائي متنوع، وهذا ما يؤكد ثراء مخزوننا الغذائي الأصيل ويعمق تمسّكنا بعاداتنا و تقاليدنا وانفتاحنا على الحضارات السابقة وتراثها الغذائي. فمنذ الحضارة الأمازيغية البربرية إلى الفتوحات الإسلامية إلى الدولة العثمانية إلى عهد الحماية إلى يومنا هذا والشعوب تتوارث جيلا بعد جيل العادات الغذائية النابعة من عدّة جهات في البلاد التونسية

يتسم المطبخ التونسي بنفس خصائص البلدان المتوسطية الأخرى كالمغرب و الجزائر و إسبانيا بسب انتشار للثروة السمكية، والزيتون، وزيت الزيتون، بالإضافة إلى الحبوب و القوارص التي يكثر استخدامها على اختلاف أنواعه، و بالتالي فإن هذا المطبخ يعد امتدادا لباقي المطابخ المغاربية، إذ أن نفس الأكلات مثل الكفتاجي و الرشتة والنواصرو الكسكسي تقدم على موائد معظم البلدان المغاربية مع وجود بعض الفوارق البسيطة إذ تتميز بعض الأكلات التونسية بلونها الأحمر نظرا لاستخدام الفلفل الأحمر المجفف و الهريسة، ومعجون الطماطم، في حين يسيطر اللون الأبيض أو الأصفر على هذه الأكلات في بقية البلدان المغاربية.

ولا يمكن في هذا السياق الحديث عن عادات وتقاليد المجتمع التونسي في أكل الكسكسي دون الحديث عن مذاق أطباقه الحارة حيث يكثر استعمال التوابل والبهارات ، وأساسا ما يعرف في تونس بالهريسة و الفلفل الأحمر و يسمى أيضا فلفل زينة (فلفل أحمر مجفف) وهو نوعان حار أو حلو يستعمل الأول لتفويح الأطعمة و الثاني لتلوينها.

لا يشك إثنان في أن المطبخ التونسي يعتبر من أعرق المطابخ العربية وأقدمها، والدليل على ذلك أكلة النواصر التي عرفت منذ قرون في زمن حكم الموحدين. إذ يعود إنتاج النواصر الى الخليفة محمد الناصر الموحّدي الذي تميّز بجنون العظمة لذلك صنع قطعا نقدية مربّعة الشكل الشيء الذي جعل الكثيرين من عامة الشعب يتيّمون بها فصنعوا قطع عجين مربعة الشكل وأطلقوا عليها تسمية «نواصر» نسبة إليه.

إن النواصر طبق تقليدي مميز يسجل حضوره على كل الموائد البيوت التونسية وقد اشتهر الشماال التونسي  و بالتحديد مدينة بنزرت بطبق النواصر: هذه الأكلة التي لن يستطيع الإنسان التمتع بطعمها اللذيذ إلا في تونس رغم بساطة مكوناتها. و قد باتت عجينة النواصر اليوم متوفرة في الأسواق، ويمكن شراؤها وطبخها على الفور. ويمكن تحضير وجبة من  النواصر سواء بلحم الضأن أو الدجاج أو حتى العصبان التونسي.

أما طبق الكسكسي فهو من أبرز الأطباق التي اشتهرت بها تونس و شمال إفريقيا بصفة عامة .و ما قد لا يعرفه البعض عن الكسكسي أنه طبق أمازيغي ضارب في التاريخ إذ  ظهر في بلاد المغرب العربي ما بين القرن 11 و13 أي في الفترة التي استولت فيها قبائل بني هلال والقبائل العربية المندرجة فيها على شمال افريقيا. و يصنع عدة من طحين القمح في شكل حبيبات صغيرة، ويتناول بالملاعق أو باليد. يطبخ بالبخار ويضاف إليه اللحم، أو الخضار، أو الفول الأخضر المفور، أو الحليب، أو الزبدة والسكر الناعم و الزبيب وفقا للأذواق وللمناسبات.

و تتنوع الأكلات التونسية وبالخصوص في الأعياد، إذ يعتبر العصبان التونسي من أشهر الأكلات الشعبية التونسية  والتي يرتبط إعدادها بعيد الإضحى وذلك باعتبارها تتطلب توفر اللحم بكميات كبيرة. وعادة ما يأتي العصبان مع وجبة الكسكسي التي شهر بها المطبخ التونسي . و يتكون العصبان أساسا من الزوائد وهو كل ما وجد في جوف الكبش كالرئتين والكبد والأمعاء، التي تنظف وتقص قطعا صغيرة، وتضاف إليها الخضروات ومختلف التوابل والبهارات. ويتم خلط كل هذه المكونات وتوضع في قطع من معدة الخروف بعد تنظيفها بدقة. و لا شك أن العصبان يتطلب حذقا كبيرا، و هو يبقى من أكثر الأكلات التي تظهر براعة المرأة التونسية. وبالرغم من دسامة هذه الأكلات التونسية الأصيلة إلا أنها تتميز بخصائصها الصحية وتوازنها لاحتوائها على مختلف العناصر الغذائية وخاصة اللحوم والخضر . ويعتبر من الكسكسي أشهر الأكلات الشعبية التونسية نظرا لوجوده في كافة أرجاء البلاد مع اختلاف بسيط في مكوناته وكيفية طهيه. فنجد الكسكسي بالعصبان كما نجد الكسكسي بالببوش إختصاص مدينة الحمامات وهو متكوّن من كسكسي وقدّيد وببّوش. أمّا كسكسي المهدية لرأس السنة الهجرية فيتكوّن من كسكسي وقدّيد وفول جاف وحمص وكركم وزبيب وبيض مسلوق


لا يجب أن ننسى أيضا اللبلابي أشهر أكلة شعبية تونسية في المطبخ التونسي وتكمن بساطه في الأساس لمكوناته التي توجد في كل بيت تونسي ولسهولة إعداده . و أغلب الناس يلجأون إلى اللبلابي في فصل الشتاء لأنه الوجبة السريعة القاهرة للبرد فلذته تكمن في حرارته ومذاقه اللاذع. واللبلابي هو عبارة عن أكلة ذات أصل تركي إلا أنها أصبحت في وقت وجيز إحدى الأكلات التونسية المغذية والسهلة الاستهلاك والتأثير على المعدة.. وهي تعتمد على الخبز والحمص وبعض البهارات والبيض وزيت الزيتون، وهي بذلك قد تكون إحدى الوجبات الغذائية الصحية المتكاملة. ويختلف الإقبال على اللبلابي حسب الأذواق، فالبعض يفضله ممتلئا بالبهارات والفلفل الأحمر والهريسة فتكون حادة المذاق، والبعض الآخر يفضل أن تحتوي على المواد المغذية فحسب على غرار البيض وزيت الزيتون والتن..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق